شكلت وفاة الأسطورة البرازيلية مساء اليوم الخميس بعد صراع مرير مع المرض صدمة لعشاق كرة القدم حول العالم، بعد سنتين من رحيل الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا، وبعد أيام من انتهاء مونديال قطر 2022.
وخسر بيليه معركته الأخيرة مع سرطان القولون المكتشف في شتنبر 2021 خلال فحوص روتينية، ويعتبره كثيرون أعظم لاعب كرة قدم في كل العصور، ويعد هذا “المراوغ الفتاك” الذي ساهم بولادة “كرة السامبا”، بمثابة “كنز وطني” في البرازيل.
اعتزت الشباك بقدم بيله بغزارة غير مسبوقة؛ 1281 هدفا في 1363 مباراة بألوان نادي سانتوس (1956-1974)، المنتخب الوطني “سيليساو” وكوزموس نيويورك الأميركي (1975-1977). لكن بعيدا عن الأرقام، تبقى ذكرى بيليه خالدة كـ”ملك” أحدث ثورة في رياضته، مع رقم 10 الأبدي على ظهره.
كان بيليه رائدا في كرة القدم الحديثة، بتقنية استثنائية مقترنة بقدرات رياضية لا مثيل لها برغم قامته المتوسطة (1.72 م). رغم “جلالته”، كان بيليه عاطفيا، كما يتضح من مشاهد لا تنسى بالأسود والأبيض ليافع بعمر السابعة عشرة أحرز أول ألقابه العالمية عام 1958 في السويد.
وفى بوعد قطعه لوالده، بعد ثماني سنوات من رؤيته يبكي أثناء الاستماع على جهاز الراديو إلى خسارة “ماراكانازو” الشهيرة أمام الأوروغواي التي حرمت البرازيل من أول ألقابها العالمية عام 1950 على أرضها، حينها حققت الأوروغواي ثاني وآخر ألقابها.
عام 1970، وخلال أوّل بث مباشر لكأس العالم بالألوان، احتفل بيليه بابتسامة مشرقة في ذروة مسيرته، باللقب العالمي الثالث، عندما كان في تشكيلة ذهبية تعد الأكثر موهبة في التاريخ لضمها أمثال ريفيلينو، توستاو وجايرزينيو.
متأثرا بآلام قوية في وركه، ظهر بيليه على كرسي متحرك في دجنبر 2017، خلال سحب قرعة مونديال 2018، محاطا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وباقي أساطير الكرة، على غرار الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي توفي في نهاية 2020.
تأثر بيليه كثيرا بعد رحيل “الفتى الذهبي”، صديقه وغريمه: “خسر العالم أسطورة. في يوم من الأيام آمل أن نلعب كرة القدم سويا في السماء”، بهذه الكلمات ودع النجم البرازيلي مارادونا قبل سنتين.
حبس عالم الكرة أنفاسه في نونبر 2014، عندما أدخل بيليه العناية الفائقة إثر أزمة خطيرة في المسالك البولية استدعت وضعه في غسيل الكلى. وعانى أزمة ثانية في أبريل 2019 في فرنسا، بمناسبة زيارته باريس لملاقاة المهاجم الشاب كيليان مبابي، كجزء من عملية ترويجية نظمها راع مشترك.
كتب “الملك” آنذاك على إنستغرام “أصدقائي، مع مرور كل يوم أشعر بتحسن قليل. أتطلع إلى اللعب مجددا، لكني ما زلت أتعافى لبضعة أيام أخرى”.
ولدى بيليه كلية واحدة فقط منذ كان لاعبا، فقد تسبب كسر أحد الضلوع أثناء إحدى المباريات بضرر في كليته اليمنى والتي تمت إزالتها في النهاية.
امتلك كلية واحدة لكن “ثلاثة قلوب” بحسب ما قال ممازحا، في تلميح إلى مسقط رأسه “تريس كوراسويس” في ولاية ميناس جيرايس (جنوب-شرق).
ولد إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو في 23 أكتوبر 1940 في عائلة فقيرة، فاضطر لبيع الفول السوداني في الشارع لمساعدة والديه. تم اختيار اسمه الأول تكريما لتوماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي.
ووقع أول عقد احترافي بعمر الخامسة عشرة، مع سانتوس الذي أحرز معه إنجازا تلو الآخر، فرفع لقب كأس الإنتركونتيننتال مرتين تواليا ضد بنفيكا البرتغالي (1962) وميلان الإيطالي (1963).
خلال جولات المباريات الودية مع سانتوس أو منتخب بلاده، كان يلقى معاملة رؤساء الدول، إذ يُروى أنه لدى وصوله عام 1969 إلى نيجيريا، حصلت هدنة لمدة 48 ساعة وسط حرب بيافرا الأهلية الرهيبة.
ولم يرضخ بيليه أبدا لعروض الأندية الأوروبية الكبرى، لكنه سمح لنفسه بنهاية مسيرة مترفة مع نيويورك كوزموس، مساهما بنمو عابر لكرة القدم في الولايات المتحدة حيث اعتزل اللعبة عام 1977.
واستمرت شهرته خارج الملاعب، مع أدوار في السينما، تسجيل أغان وحتى وصوله إلى الحكومة حيث لعب دور وزير الرياضة (1995-1998)، ليصبح أول رجل أسود يصل إلى هذا المنصب في البرازيل.
وخلافا للمتمرد الدائم مارادونا، لطالما اعتبر بيليه في البرازيل قريبا من النظام، بما في ذلك الديكتاتورية العسكرية (1964-1985).
بيليه، المعتبر أحيانا متغطرسا ومغرورا وصاحب التصريحات الجدلية، لم يكن معشوق الجماهير في بلده، خلافا لأبطال لقوا مصيرا مأسويا مثل لاعب كرة القدم غارينشا وبطل العالم في سباقات الفورمولا واحد أيرتون سينا.