لاشك ان السيادة الاقتصادية للدول تفرض عليها اعطاء الأفضلية للشركات الوطنية باعتبارها رافعة اساسية للتنمية خصوصا في قطاع حيوي مثل النقل الحضري، اذ لا يعقل ان يتم دعم الشركات الأجنبية بميزانيات ضخمة لشراء الحافلات وتدبير النقل دون اي اضافة تذكر، بينما يقوم بعض عمداء المدن بمحاربة الشركات الوطنية لاسباب سياسية ضيقة ويسعى للتحريض ضد مصالح الشركات بمختلف الوسائل غير القانونية، وهو أمر يتطلب تدخلا عاجلا من الحكومة المغربية.

وقد سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومجلس المنافسة ان أدلوا بآرائهم بخصوص تدبير القطاع والاختلالات التي يعاني منها. وقد أوصى المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ضمن رأيه الأخير بتاريخ 21 أبريل 2021 بخصوص النقل المستدام بجعل وسـائل نقـل الأشـخاص والبضائـع قطاعـا مهيكلا للاقتصاد ورافعة للتنمية المستدامة في المجالات الترابية.

كما أصدر مجلس المنافسة في أبريل الماضي رأيا حول مدى احترام قواعد المنافسة على مستوى التدبير المفوض للنقل العمومي الحضري والرابط بين المدن بواسطة الحافلات.

وأوصى المجلس ضمن هذا الرأي بوضع شبكة لتقييم محين للعروض يرتكز على معايير موضوعية وبدرجة كبيرة على خطط عمل المتنافسين بدلا من استخدام شبكة تستند أساساً إلى الأسعار المحددة، التي اعتبر أنها لم تعد تشكل عناصر تنافسية.

كما شدد المجلس على ضرورة إدراج تقييم إجمالي وهام للخبرات والتجارب المتراكمة لانتقاء المرشحين لطلبات العروض في السوق بهدف تثمين ريادة الأعمال الوطنية في القطاع، وتحديد درجة تقاسم المخاطر الصناعية والتجارية وتكلفة الاستثمار الإجمالي بين المفوض والمفوض إليه، وذلك قبل طرح أي دعوة إلى المنافسة.

هيمنة لشركات أجنبية تنفي مبدأ الأفضلية للشركات المغربية

وتتقاطع أراء المجلسين وتوصياتهما مع أراء الفاعلين الوطنيين في قطاع النقل الحضري. فلقد عبّرت عدد من الشركات المغربية عن رغبتها الأكيدة في تطوير القطاع وتعهّدت باحترام قواعد المنافسة ودفتر التحملات الخاص بها.

من جانبها فرضت شركات أجنبية نوعا من الهيمنة على طلبات العروض بطرق تضع المسؤولين عن الشأن المحلي لبعض المدن في موضع المساءلة من طرف المواطنين المتضرر الأكبر من سوء تدبير النقل بهذه المدن، ومن الفاعلين المغاربة الذين يطرحون أكثر من علامة استفهام، حول ظروف صياغة طلبات العروض على مقاس شركات دون غيرها وفوزها بصفقات رغم فرضية استفادة المنافسين المغاربة من هامش امتياز 15 في المائة.

ومن أمثلة الضغوطات التي تتعرض لها الشركات المغربية ما عاشته مجموعة سيتي باص من تجربة خلافية مع مجلس الجماعة الحضرية لفاس رغم أن إدارة الشركة التزمت بدفتر التحملات وقدمت كل الضمانات لتجويد خدمة النقل بعد تجديد العقد.

ووافقت الشركة على المقترحات التي تقدمت بها وزارة الداخلية في إطار احترامها لقرارات السلطة الوصية، وحرصها على استمرارية التعاون مع السلطة المفوضة بما يخدم مصالح المواطنين بمدينة فاس وضواحيها، رغم ان الشركة لم تتلقى مستحقاتها المالية من مجلس مدينة فاس ولم تتلقى ايضا الدعم المخصص للشركات للتخفيف من التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد-19 خلافا لباقي المدن المغربية التي سلمت الدعم لشركات النقل الحضري، بالاضافة الى التهجم المقصود على الشركة واثقالها بالغرامات المالية،بالرغم ان الشركة صدر حكم لصالحها بوقف هذه القرارات التعسفية للجماعة.

وطرقت “التحدي” أبواب بعض الشركات المغربية التي توفر النقل الحضري بعدد من المدن الكبرى بالمغرب، وتمكنت من استجلاء كيفية تدبير القطاع بالنسبة لشركة سيتي باص، التي تتواجد ب 12 مدينة مغربية، والتي تقدّم خدماتها بناء على طلبات عروض الجماعات التي فازت بها.

كيف يتم تدبير النقل الحضري بالمغرب؟

حسب مصدر خاص من شركة سيتي باص ل «التحدي” فإن قطاع النقل من المرافق العمومية الأساسية التي تساهم في دعم حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.

ومن هنا تأتي مشاركة مجموعة سيتي باص والشركات التابعة لها في طلبات العروض باعتبارها شركة وطنية للنقل الحضري لتقديم خدمة النقل بأفضل المواصفات وبجودة عالية في إطار تعاقدي.

وأفاد ذات المصدر أن المجالس الجماعية تقوم بطرح طلبات العروض بشكل مفتوح، وفقا لدفتر تحملات تتبارى حوله الشركات المتخصصة في النقل الحضري، التي تتعهّد بتوفير الوسائل والإمكانيات المطلوبة للاستجابة لمتطلبات دفتر التحملات.

ويتم توقيع اتفاقية تُحدد الإطار القانوني للعلاقات بين المفوض إليه والسلطة المفوضة وتُحدد الأحكام الرئيسية لتنفيذ خدمة التدبير المفوض.

وتقوم مجموعة سيتي باص بتسيير واستغلال شبكة النقل الحضري داخل المدار الحضري وخارجه بالحافلات عبر نقاط لنقل الركاب يتم الاتفاق عليها مع السلطة المفوضة، وتتكلف المجموعة، حسب ذات المصدر، بتخصيص استثمارات لاقتناء الحافلات الجديدة وكل التجهيزات الضرورية لمدار التدبير المفوض، وتتطلع دائما إلى تحسين نوعية خدمات النقل وإرضاء المرتفقين.

ومن الضوابط التي تلتزم بها الشركة وتضعها ضمن أهدافها الرئيسية، احترام المدة الزمنية المخصصة لتنقلات الحافلات بين الأحياء في المدن وخارج المدار الحضري ومراعاة دقة مواقيت الحافلات والولوجيات.

وهي من المحددات والشروط التي يضعها المواطن قبل الجماعة التي فوضت تدبير نقلها الحضري. كما تلتزم سيتي باص، بتوفير عدد الحافلات المخصصة لكل خط والرفع من عددها في وقت الذروة، كما تسعى دائما إلى الحفاظ على نظافة المحطات وتوفير السلامة والراحة داخل الحافلات.

الفاعلون المغاربة في النقل الحضري يواصلون التجديد والتحديث رغم إكراهات طلبات العروض والصعوبات المادية

يسعى المرتفقون دوما إلى خدمات تضاهي كبريات المدن في الدول المتقدمة، وهو ما وضعت له مجموعة سيتي باص والشركات التابعة لها استراتيجية وطنية من خلال توفير الخدمات الذكية واستعمال الطاقة النظيفة والحافلات الكهربائية.

ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن تتحلى بها الشركات عموما، وتلك التي تستفيد من عقود التدبير المفوض على وجه الخصوص، وضعت الشركة في أجندتها مبادرات في عدة مدن مغربية ذات أهداف اجتماعية وتعليمية وثقافية في إطار انفتاح المجموعة على محيطها الاجتماعي.

تواجه مجموعة سيتي باص المغربية مجموعة من الصعوبات تتمثل أبرزها في تأخر استخلاص مستحقاتها من بعض المجالس الجماعية، وما تسبب فيه ارتفاع أسعار المحروقات من انعكاسات سلبية على الحصيلة السنوية للمجموعة.

ورغم ذلك وتجسيدا للمقاولة المغربية الوطنية والمواطنة، فإن سيتي باص وضعت ضمن أولوياتها الحفاظ على السلم الاجتماعي والالتزام بدفتر التحملات بما يخدم الصالح العام للمواطنين.

تقوم السلطة الوصية على القطاع بدفع تكاليف اقتناء الحافلات ومصاريف أخرى لتوفير خدمات النقل للمرتفقين بأسعار تلائم قدرتهم الشرائية.

غير أن الشركة كباقي الشركات المغربية تُعاني من عدم تطبيق الأفضلية للشركات الوطنية كما هو معمول به في عدة دول عبر العالم. فمازال بعض المنتخبين والساهرين على الشأن المحلي في بعض المدن المغربية لم يتخلوا عن عقدة الأجنبي بتفضيل شركات أجنبية بعضها أبان عن فشله في تدبير النقل في مدن كبرى، كان بالإمكان توفير فرص حقيقية للفاعلين المغاربة لإبراز إمكاناتهم في تسيير القطاع بنفس الشروط والأفضليات التي تمتاز بها الشركات الأجنبية.