رأي
هل أصبح حزب الله الخاسر الأكبر في المنطقة؟

الدكتور محمد الخمسي
إن الراصد لحركة الأحداث؛ سيكتشف حقد إيران على محيطها الإقليمي والسعي للانتقام منه منذ نهاية حرب الخليج الأولى، (الحرب العراقية الإيرانية)، التي عرفت عند النظام العراقي ب: “قادسية صدام”، بينما عُرفت في إيران باسم: “الدفاع المقدس”. حرب نشبت بين العراق وإيران من سبتمبر سنة 1980 حتى أغسطس من سنة 1988؛ حيث أكلت إمكانات البلدين، ولعب الغرب دور المدد بالسلاح سرّاً وجهرًا، بشكل يطيل الحرب ولا يسمح بالحسم.
منذ نهاية هذه الحرب، وضعت
إيران خطة اختراق الدول المجاورة ببرنامج “التخريب من الداخل”!،
فساعدت أمريكا على اجتياح العراق، ثم تسلمته منها، فقتلت علماءه، بل المتفوقين من طلبته، ونهبت آثاره ومتاحفه وبنوكه. ومن إنجازاتها؛ إنشاء “داعش” وتدريبها داخل سورية وتخريب مناطق السنة بالعراق، خاصةً في منطقة الفلوجة التي بقيت عصيّةً على أمريكا نفسها.
ادوات التخريب وجغرافيته:
لقد اعتمد النظام الإيراني أدوات دنيئة؛ منها القتل للعقول والأطر العسكريّة العراقيّة، ونشر الفساد في المؤسسات، وتخريب البنية التحتيّة، وتهجير السنّة وتعميم إرهاب أعمى!! ومحاصرة التيار الصدري، لا لشيء؛ فقط لأنه أراد أن يتحرر من عباءة “قم”، وأن يكون شيعة العراق أولى بقضايا الشيعة في العالم.
أما لبنان؛ فقد صنعت فيه حزبًا عسكريًا، أصبح يهدد الجميع. ودخلت به لبنان، فحجمت سيادة هذا البلد الغني ثقافياً وحضارياً، وخربته سياسياً واقتصادياً تخريباً كاملاً، فحولته إلى دولة فقيرة وعاجزة وفاسدة، وعمقت فيه الطائفيّة بشكل رهيب، ونحرت فيه التعدديّة والعيش المشترك، مما يحتاج إلى ترميم عبر عشرات السنين!!
ثم جاء الدور على اليمن، ووجدت عبد الله صالح قد مهد لها بغباء الدكتاتورية، ودون أن يدري؛ يسر لها الطريق، وساعدها في ذلك البحر، أي إيران، بسبب الموقع الجغرافي، فقامت بتسليح الحوثيين، وهدمت دولة، بل حضارة اليمن، واشتغل معول التقسيم، لتتحول أرض “الحكمة يمانية” وأرض الماء والزراعة، إلى بلد الفقر والقات. دولة مكتملة الفشل في كل شيء!
أمّا سورية، فهي العدو التاريخي، لأنها دولة الأمويين، فبدأت بتدمير النسيج الاجتماعي، والتحريض الطائفي، ووجدت أغبى ديكتاتور على الأرض، لتنفيذ مخطط رهيب ضد شعبه ووطنه، ومما زاد من تعقيد الأمر تقاطع المصالح، مما صنع تواطئاً روسياً معها.
هكذا أصبحت سورية بين قتيل وطريد ومهجر وصامت صمت القبور من شدة الخوف. لقد تعرض الشعب السوري إلى تهجير الملايين نحو تركيا، بل إلى مختلف دول العالم الذي كان شاهد على ذلك، وما صورة الطفل السوري الذي لفظه البحر ميتاً على شواطئ اليونان ببعيدة منّا.
ألسنا في أقصى الجغرافيّة من المنطقة ووصلنا السوريون في أسوأ الظرف والحال، واستقبلهم المغاربة بما يليق بتاريخهم من حسن الكرم والضيافة…!؟
لقد تاجرت إيران، وصدقها الكثير من السذج الذين لا يعرفون عقل (ابن العلقمي)؛ بوهم تحرير القدس وفلسطين، حيث استغلوا عاطفة عمياء، ووظفوا قضية حق وعدل، من أجل الاستقطاب، حيث ركزوا على الشباب الذين كانوا وقوداً لمشارعهم الدموية بالمنطقة.
تحرير القدس تلك الخاتم المغناطيس:
عملت إيران باستغلال فكرة عظيمة، اسمها: “تحرير القدس” من خلال دعم “حزب الله”، هذا الحزب الذي كان سلاحه أقوى من سلاح جيش الدولة اللبنانية، ووظفته إيران لأغراضها السياسية تحت عنوان: “المقاومة” التي لم يبق له منها شيء. وكان أهم شرط تحتاجه أي مقاومة في العالم؛ هو استقلال قرارها السياسي. هذا الزر كان ممنوعاً من طرف إيران، إذ جعلت حزب الله جماعة وظيفيّة تنفد الأجندة المكتوبة في طهران.
لقد حرم مبكراً حزب الله، ومنذ النشأة، من استقلال بندقيته. فقد أحكمت إيران القبضة على كل الأدوات التي صنعتها للدعم؛ سواء المالية أو السلاح أو اللوجستيك أو الإعلام والدعاية. وهكذا زاد الانقسام في لبنان، وغدت مشاعر الملايين من العرب والمسلمين في العالم بالوهم، حتى أصبح سلوك طهران مقدساً، لا يجوز انتقاده أو الشك فيه أو حتى مجرد طرح سؤال حوله!
وجاء 7 اكتوبر لينكشف الغطاء:
اتضحت خسائر حزب الله بعد عام من صمود المقاومة الفلسطينية، ليكتشف العالم أن هذه المقاومة التي تدعمها إيران؛ مخترقة إلى النخاع، وقابلة للبيع في كل لحظة، بحيث لم تصمد إلاّ أشهراً معدودات.
جاءت الحرب في غزة والحملة الإسرائيلية الأخيرة، لتضع هذا الحزب على سكة اختبار ميداني. فتحت عنوان جبهة إسناد بقي الأمر ملتبساً إلى أن جاءت “معركة مباشرة” على أراضيها في جنوب لبنان، ودفعت إثر ذلك خلال الشهرين الماضيين الكثير من الفواتير على صعيد قادة الصف الأول، وتصدرها حادثة اغتيال أمينها العام حسن نصر الله. ولم تقتصر الخسائر على ما سبق، إذ بعدما طرأت سلسلة تحولات على شكل استهدافات إسرائيل واستراتيجيتها العسكرية في لبنان، وصلت الحالة المرتبطة بـ «دفع الفواتير” لدى حزب الله إلى مخازن الأسلحة الخاصة به، والتي تضم خليطاً واسعاً من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن أشكال متنوعة من القذائف والطائرات المسيّرة. وهناك من يعتبر أن ما تبقى من قدرته أقل من 20 في المئة.
لقد اتضح للعالم أن عدد المقاتلين الذين كان يتحدث عنهم حزب الله بأنه يتجاوز حاجز ال 100 ألف مقاتل، مجرد أسطورة لا واقع لها، واكتشف من أول خطاب للأمين العام الجديد، انخفاض سقف التهديد وواقعية ومحدودية القدرات، كما اكتشف انه ضمن صفقة كبيرة لبقاء نظام إيران قبل بداية الحفر الكبير له.
لقد تم استنزاف مخزون حزب الله من الصواريخ، ودمرت البنية المؤطرة له، والآن بعد سقوط نظام بشار؛ فإن إمكانية إعادة التزويد من إيران لحزب الله، لم تعد متاحة، بل ينتظر وضوح الساحة في سورية، فقد بدأ يتحسس رقبته.
لقد اكتشف العالم أن إيران حقيقة هي أوهن من بيت العنكبوت، حيث يتم اغتيال ضيوفها، وقصة الصواريخ وصلت سقفها، حسب تحليلات بعض “الخبراء” المؤدى لهم مسبقاً على قنوات المنار والميادين…. وغيرها؛ حول قوة إيران وتضخيم قدراتها، أمر لا تصدقه الدول، خاصة وإن حرب أوكرانيا كشفت الكثير.
تبقى ورقة وحيدة ستكتشف مع مجيء (دونالد ترامب)؛ هو ما مستوى تقدم إيران على مستوى السلاح النووي؟ وهل وصلت مرحلة تستطيع بها التهديد، أم أن الأمر لازال في طور البدايات؟
إن سياسة التهويل والتضخيم، سياسة أتقنتها الولايات المتحدة مراراً قبل ضرب العدو.
قراءة سريعة في آخر ظهور للأمين العام لحزب الله:
قال نعيم قاسم: “إن الحزب كان يتوقع حصول العدوان الإسرائيلي على لبنان في أي لحظة، لكن لم يكن يعلم بالتوقيت. وهذا كان قبل طوفان الأقصى وبعده.” وهنا لابد من التوضيح: هل كان الحزب ينتظر من إسرائيل، وهو أمر ليس من أخلاقها؛ أن تعلن عن تاريخ بداية العدوان!؟ بل تاريخياً كانت دائمًا تعتمد استباق العدوان متى توفرت لها الظروف والمعطيات الاستخباراتية، وبالتالي قول الأمين العام هذا؛ لا جديد فيه.
أما قوله إن العدو الصهيوني لم يحقق أهدافه في عدوانه على لبنان؛ فهو يناقض الواقع والحقائق. طبعاً حقق الكثير من الأهداف وسنقدمها في الخلاصة.
هناك حقيقة ومسلمة يريد نعيم قاسم أن يذكرنا بها وكأنها اكتشاف خاص بحزب الله حيث قال: “العدو يريد إلغاء أي مقاومة تقف بوجه مشروعه التوسعي على مستوى كل المنطقة، ونسي أن إسرائيل لا تخفي هذا وتسعى إليه ليل نهار، وبالتالي كل دول المنطقة عبرت أو لم تعبر عن إدراكها لهذه الحقيقة، فهي تعلمها. والسؤال ماذا أعد أو يمكن إعداده لذلك؟
تبقى فكرة أن الجرائم الإسرائيلية ليست إنجازاً، وهذه حقيقية لا تختلف عليها العقول السوية…! فالإبادة أكبر جرائم الأرض، ولا تعتبر نصرًا أو إنجازاً في التاريخ، بل جرائم ضد الإنسانية.
أمّا قول إن العدو الإسرائيلي أدرك أن الأفق أمام مقاومة حزب الله مسدود، فذهب إلى وقف إطلاق النار، فالمسرب من المعلومات أن حزب الله قبل بالشروط الإسرائيلية عبر الوسيط الأمريكي مع (نبيل بري)، وأن التعديلات لم تؤثر عن البعد الاستراتيجي للاتفاق الذي هو لصالح إسرائيل، وما تم تعديله هو من باب الاستهلاك السياسي، وخاصة أمام أنصار حزب الله وأعضائه واتباعه.
لا شك أن نعيم قاسم يريد أن يقول إننا لا زلنا في المعادلة وننتظر بعد سقوط النظام السوري، ومن المؤسف إنه لم يشر إلى كلفة ما دفعه هذا الحزب لإطالة عمر هذا النظام المجرم من سنة 2011 إلى سنة 2024، وسنقدمها في الخلاصة، حيث قال: “سقط النظام السوري على يد قوى جديدة، ولا يمكننا الحكم عليها إلا بعد استقرارها وانتظام الوضع في سورية، هنا قد أكد على حقيقة واحدة ان حزب الله خسر في المرحلة الحالية طريق الإمداد القادم من سورية، قائلا: “لكن هذا تفصيل صغيرة وقد يتبدل مع الزمن” و في الحقيقة والموضوعية العسكرية هذه ليست صغيرة ومن الصعب تغييرها مع الزمن، بل شرايين الامداد اذا قطعت ستشل اليد العسكرية لهذا الحزب.
الخلاصة
الذين يحملون فكرة حزب الله كنموذج مقاومة ضد إرادة الدولة الوطنية، لهم هذه الحصيلة المؤقتة خلال شهرين:
خسروا الصف الاول والثاني من القيادات السياسية،
خسروا الصف الاول من القيادات العسكرية،
قدموا أكثر من 5000 قتيل في سوريا بدون فائدة وظلما للشعب السوري وتعميقا للجرح الطائفي،
صنعوا عداء مطلقا ضدهم في سورية ولبنان وتركيا اضافة إلى الأردن ومن زمان،
استقر بهم الحال خلف الليطاني، مع مراقبة جنيرال امريكي لأي حركة عسكرية منهم داخل لبنان،
حظر تجول والمنع التام للإشهار السلاح، وبالتالي نزع التغول على اللبنانيين،
افتقدوا اعينهم على مطار لبنان، الذي كان شبه تابع لهم امنيا،
خلقوا حذرا شديدا منهم في جميع الدول العربية، لأنهم بدأوا في تنزيل فكرة التدريب على حرب العصابات، آخرها تدريب الجناح العسكري لمليشيات (البوليزاريو) التي تعيش ايامها الاخيرة، وهي واحدة من عدوانهم على الاستقرار في شمال افريقيا،
تخلت عنهم إيران بعدما انتهت مهمتهم الإقليمية وتجفيف منابعهم المالية،
والأشد والأسوأ أطلقوا كل رصاصهم لدعم بشار، الذي لم يطلق رصاصة واحدة ساعة الجد لدعم نظامه، بل سلم كل المعلومات المتعلقة بهم معناه ايام تصفيات ومطاردة أسوا من التي عاشوا من قبل.
رأي
” من يعلق على المعلق الرياضي ” (رأي)

لم يعد المعلق الرياضي مجرد ناقلٍ لوصف المباريات أو لنتائجها، بل صار اليوم شريكًا في صناعة المزاج الرياضي العام، ومؤثرًا في انفعالات الجماهير وتصوراتهم عن اللعبة واللاعبين والمؤسسات ، فمسؤوليته تتجاوز حدود الميكروفون إلى مجال أوسع من التأثير والتمثيل الرمزي، تصل إلى مستوى أعلى بكثير مما يمكن تحديده، ارتباطًا بحب الجماهير التي تعشق كل ما يفرحها ويقربها بالصوت والصورة إلى ميدان اللعبة.
ولعل من يتابع أداء أحد المعلقين على مباريات المنتخب المغربي المشارك في كأس العالم للشباب لكرة القدم، سيلاحظ طريقته في التعليق والتي تفتقر إلى الانضباط المهني والعمق التحليلي.
فالكلمات والجمل التي تُستعمل من طرفه في الوصف الصوتي، والأحكام القيمية التي تُوزَّعها جزافًا ودون روية، تجعل المشاهد ينتقل من الإعجاب إلى النفور.
ويكفي أن يُغيّر المعلق رأيه في اللاعب نفسه خلال المباراة الواحدة، من النقيض إلى النقيض، حتى يفقد الجمهور ثقته في صدقية الصوت الذي يفترض أن يرافقه في لحظة الفخر والانتماء.
وهكذا، يصبح التعليق أحيانًا عامل إزعاج لا عنصر إمتاع، في الوقت الذي يكون فيه اللاعبون في أعلى مستويات العطاء، ويجد المتفرج نفسه في قمة التعاسة بسبب صوتٍ يفتقر إلى الحكمة والتبصر والنضج المهني.
فالمعلق الرياضي هو صوت الوطن أمام العالم، وصوته قد يرفع صورة الرياضة الوطنية أو يُسيء إليها ، ومن ثمّ، فإن تطوير مهنة التعليق الرياضي بالمغرب يقتضي تكوينًا لغويًا ومهنيًا مستمرًا، وخلق آلية لتقييم الأداء الإعلامي داخل القنوات الوطنية، حمايةً لحق الجمهور في متابعة راقية ومحترمة، تحفظ المتعة وتُعلي من شأن الكلمة المسؤولة.
فعلى المعلق الرياضي أن يكون عالمًا بالضوابط المهنية والأخلاقية التي تفرض عليه:
• احترام كرامة الأشخاص وعدم المساس بالحياة الخاصة للاعبين؛
• الامتناع عن استعمال لغة تحقيرية أو مثيرة للكراهية؛
• الالتزام بالحقيقة والدقة في التعليق.
كما يجب على المعلق أن يحافظ على الحياد والموضوعية، وألا يُصدر أحكام قيمة أو يبالغ في تمجيد لاعب وازدراء آخر، بل أن يحترم أداء الجميع ضمن السياق الرياضي ، وهو ويفرض عليه التحضير المسبق الجيد، من خلال معرفة أسماء اللاعبين، ومسارهم المهني، والخطط التكتيكية، حتى لا يتحول التعليق إلى ارتجال أو تعبير عن انطباعات شخصية آنية.
فاللغة الرصينة هي التي تُميّز المعلق الرياضي، لا المدخ الغير المبرر ، ولا النقد الساخر أو التهكمي.
فالمعلق يتحدث باسم مؤسسة عمومية ولفائدة قناة الشعب، وعليه أن يُتقن لغة الخطاب التي يستعملها، لأنها تعكس مستوى الذوق العام والاحترام للمهنة والجمهور.
إن المعلق هو الوسيط بين الحدث الرياضي والجمهور، ومهمته تقديم وصف دقيق ومحايد للأطوار، مع إغناء المتابعة بالتحليل والمعلومة والإيقاع اللفظي الذي يحافظ على حماس المشاهد دون انزلاق إلى الانفعال المفرط.
فالمعلق في الآن ذاته هو صحفي وإعلامي ومثقف رياضي، وصوته يُشكّل صورة المنتخب في أذهان ملايين المتابعين.
أتمنى خالصا من كل معلق أن يُعيد النظر في أسلوبه، وأن ينقط نفسه قبل أن ينقطه غيره، فالمجهود الذاتي والتكوين المستمر وحدهما كفيلان بتجاوز النقد وتحويل التعليق من مجرد صوت في الخلفية إلى قيمة مضافة تحترم عقل الجمهور وذوقه ووطنيته.
ذ.مصطفى يخلف
رأي
الأستاذ مصطفى يخلف يكتب: “الحق في الولوج المباشر للطبيب العمومي”

لم يعد الحق في العلاج مجرد شعار اجتماعي أو بند دستوري، بل أصبح مقياساً لمدى احترام كرامة الإنسان وتكافؤ الفرص داخل المجتمع. غير أن الواقع الصحي المغربي يكشف عن معضلة صامتة تتجلى في صعوبة وصول المريض إلى الطبيب دون وسائط، سواء كانت إدارية أو اجتماعية أو حتى محسوبة على القطاع الصحي.
هذه الظاهرة التي تتداخل فيها الاجراءات الإدارية المعقدة مع تقافة الزبونية (الباك صاحبي ) ، والتي تُحوّل رحلة العلاج إلى مسار مليء بالعراقيل، وتُضعف ثقة المواطن في المرفق العمومي الذي يُفترض أن يكون ملاذاً آمناً للتطبيب والعلاج .
إن تأمين وصول المريض إلى الطبيب دون وسائط ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل تحوّل ثقافي ومؤسساتي يعيد الاعتبار للحق في الصحة والعدالة الاجتماعية ، فحين يشعر المواطن أنه يُعالج بصفته إنساناً لا بصفته رقماً في نظام طبي جامد، ينتعش الإحساس بالمواطنة، وتستعيد المنظومة الصحية معناها الأخلاقي والإنساني.
فالملاحظة الميدانية تكشف عن جملة من العوائق التي تجعل العلاقة بين المريض والطبيب تمر عبر متاهات من “الوساطات” والضغوط غير المشروعة ، والتي يعتبر من ابرها
تعقيد المساطر الإدارية ، و ضعف التواصل داخل المؤسسات الصحية ، مع غياب مكاتب استقبال مؤهلة يجعل المواطن يبحث عن “من يرشده”، فيقع ضحية سماسرة الخدمات الصحية ، دون اغفال نقص في الموارد البشرية المتخصصة والمحترفة والذي يخلق الاكتظاظ ويغذي اللجوء إلى الوساطة لتسريع العلاج ، وهو ما جعل ثقافة الزبونية والمحسوبية تنتشر بين المرافق الصحية العمومية ، واصبحت العلاقات الشخصية هي الملجأ والحل السريع لتجاوز تطبيق القانون بالعدل بين المرافقين ، وهو ما جعل هذه الاختلالات تُفرغ الحق في الصحة من مضمونه، وتجعل المريض يعيش ازدواجية بين النصوص الجميلة والواقع المعقّد، وهو ما يتطلب إصلاحاً شاملاً في المنهج لا في الشكل .
فلإعادة الثقة إلى المرفق الصحي العمومي وضمان وصول المريض إلى الطبيب بشكل مباشر، لا بد من مقاربة متكاملة تؤسّس على وجوب تعميم
الرقمنة والشفافية الإدارية ، من خلال إنشاء منصات رقمية لتحديد المواعيد وتتبع الملفات الصحية إلكترونياً، بما يحدّ من التدخلات البشرية غير المبررة ، و تأهيل مكاتب الاستقبال والتوجيه يكلف بها موظفين متخصصين في التواصل الإنساني وتوجيه المرضى، مع مراقبة أدائهم بانتظام ، دون اغفال او التغاضي عن تعزيز المراقبة والمساءلة ، عبر إحداث آليات تبليغ فورية وسرّية عن أي وساطة أو ابتزاز، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن إصلاح العلاقة بين المريض والطبيب ليس اختيارا إدارياً، او جميلاً يقدمه مسؤول ما لمريض ، بل هو مؤشر على نضج الدولة في حماية كرامة مواطنيها ، فحين يصبح العلاج حقاً متاحاً لا امتيازاً مشروطاً، وحين تُغلق أبواب الوساطة ويُفتح باب الثقة، نكون قد وضعنا أول لبنة في بناء عدالة صحية حقيقية تُعيد للمرفق العمومي مكانته، وللمواطن كرامته، وللصحة معناها الإنساني الأصيل.
الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة
رأي
بلاغة الزمن في الخطاب الملكي: سبعة دقائق و57 ثانية تختصر مرحلة بأكملها (رأي)

حتى في تفاصيل الشكل، بدت الانسجامات الرمزية واضحة بين اللون الأصفر الملكي الذي رافق الخطاب، والذي يعكس النور واليقظة والحزم، وبين الزمن المختصر الذي يجسد التركيز والدقة والانضباط.
لقد التقت الرمزية البصرية بـ البلاغة الزمنية لتجعل من الخطاب حدثًا دلاليًا متكامل الأبعاد، حيث لم يكن أي تفصيل فيه اعتباطيًا.
ففي سابقة رمزية لافتة، لم يتجاوز الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية لأكتوبر 2025 سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية، لكنه حمل من الرسائل الاجتماعية والسياسية ما يفوق ساعات من الكلام ، وهو ما يجعل من هذا الاختصار المدهش ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل اختيارًا بلاغيًا مقصودًا يترجم بوضوح مرحلة جديدة من التدبير العمومي عنوانها العمل الميداني بدلا من الكلام العابر.
لقد جسّد الملك محمد السادس في زمن خطابه القصير دعوة صريحة إلى ترشيد الزمن السياسي، تمامًا كما يُطلب من الإدارة ترشيد الزمن الإداري ، فالمعنى الأعمق لهذا الاختصار هو أن المرحلة المقبلة لا تحتاج إلى زمن طويل من التشخيص، بل إلى تسريع وتيرة التنفيذ ، بدليل أن سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية كانت كافية لتأكيد أن العبرة ليست في طول الخطاب من حيث الزمن، بل في عمق القرارات، وأن المغرب يدخل زمن الفعل المسؤول لا زمن التبرير اللفظي.
الخطاب الملكي جاء مفعمًا بحمولة اجتماعية وأخلاقية عميقة اختُزلت في ثلاث رسائل أساسية وهي ربط المسؤولية بالمحاسبة و التنمية كمسؤولية جماعية ، بالإضافة إلى المرجعية الأخلاقية للعمل البرلماني والتي تجلّت في ختام الخطاب بالآية القرآنية:
“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”
وهي توجيه أخلاقي صارم يربط العمل العمومي بالضمير قبل القانون.
أما الخلاصة المفيدة، فقد تم تسجيلها في سبعة دقائق وسبع وخمسين ثانية فقط، حين وضع الملك محمد السادس حدًّا لمرحلة الوصف، وفتح صفحة جديدة من زمن الإنجاز والمساءلة.
ولعل الرسالة الأبلغ جاءت في شكل مجازي عميق مفاده انه إذا كانت قيمة الذهب تُقاس بصفائه لا بوزنه، فإن قيمة الخطاب الملكي تُقاس بكثافته لا بطول زمن إلقائه.
الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة
-
التحدي 24قبل سنتين
السمك “مفقود” في الأسواق المغربية وأسعاره تبلغ إلى مستويات قياسية..
-
التحدي 24قبل سنة واحدة
الموت يغيب الصحافي جمال براوي بعد معاناة مع المرض
-
رأيقبل 8 أشهر
الدكتور الخمسي يكتب: “التحدي من اجل البقاء..”
-
رأيقبل سنتين
هل تكون بنت خريبكة أمينة دومان أول فائزة بـ “فيلدز”؟
-
رأيقبل سنة واحدة
ما غفل عنه السيد مصطفى الرميد!
-
بالفيديوقبل 11 شهر
البرلماني الكيحل: الاحتفاء بذكرى المسيرة هاد العام هو احتفاء بـ “ما بعد الحدث” (فيديو)
-
رأيقبل 7 أشهر
قنوات تلفزية عاجزة عن الابداع!
-
مغاربة العالمقبل 10 أشهر
مكتب الصرف:تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج تفوق 108 ملايير درهم عند متم نونبر