Connect with us

رأي

تآكل الحدود بين المدني – الجمعوي والرسمي: مقاربة في ضوء مفهومي السلطة والشرعيّة

بتاريخ

الدكتور محمد الخمسي
تتناول هذه الورقة حالة إشكالية تكشف عن تآكل الحدود بين أدوار الفاعلين المدنيين الجمعويين وأدوار المؤسسات الرسميّة في السياق العام التربوي المغربي، حيث يقوم بعض رؤساء الجمعيات بتوجيه تعليمات مباشرة إلى الأطر التعليميّة، في سلوك يتجاوز حدود الاختصاص القانوني، ويعيد طرح سؤال الشرعيّة والهيبة المؤسسية.
تستند الورقة إلى مقاربة نظرية مزدوجة لفهم ديناميات هذا الانزياح:

  1. مفهوم السلطة المشتتة عند ميشيل فوكو،
  2. ومفهوم الشرعيّة القانونيّة والعقلانية عند ماكس فيبر،
    تُظهر بعض الممارسات المدنية في المجال العمومي ميلاً متزايداً إلى التوسع في الاختصاصات على حساب المؤسسات الرسمية، بحيث يتقمص الفاعل الجمعوي أدواراً سيادية ليست من صلاحياته.
    هذا، ومن أبرز هذه الممارسات توجيه التعليمات إلى نساء ورجال التعليم بضرورة الالتحاق بمقرات العمل، وهو سلوك يبدو في ظاهره خدمة وطنية، لكنه في العمق يطرح أسئلة عن شرعية الخطاب ومآلاته المؤسساتية.
    هنا ثلاثة اسئلة جوهريّة تفرض نفسها:
  3. كيف يُعاد إنتاج السلطة خارج فضائها المؤسسي الرسمي؟
  4. هل نحن أمام مجرد مبادرة فردية، أم أمام تجلٍّ لما يسميه فوكو بـ”انتشار السلطة” عبر شبكات غير متوقعة؟
  5. ما أثر هذه الممارسات على الشرعية القانونية – العقلانية التي اعتبرها فيبر أساس استقرار المؤسسات الحديثة؟
    1. (شارل دو فوكو) والسلطة المنتشرة:
      يرى شارل دو فوكو أن السلطة لا تُمارس فقط من الأعلى إلى الأسفل، بل تتوزع عبر شبكات المجتمع وخطاباته. في هذا الإطار يمكن قراءة تدخل رئيس جمعية باعتباره محاولة لإنتاج سلطة رمزيّة جديدة، عبر خطاب يوحي بالمراقبة والانضباط، حتى قبل بداية الموسم الدراسي.
    2. (ماكس فيبر) والشرعية:
      يؤكد ماكس فيبر أن الشرعية في الدولة الحديثة تقوم على أساس الطابع “القانوني – العقلاني” للسلطة، حيث تُمارَس الاختصاصات وفق قواعد واضحة ومؤسسات محددة.
      هذا، وأي تجاوز لهذه القواعد يؤدي إلى تآكل الشرعية، ويقوض الثقة في المؤسسات الرسمية، إذ يصبح موقع الوزير ذاته قابلاً للمنازعة والتقزيم.
      إن خطاب الفاعل الجمعوي محل النقاش ينطوي على ثلاث مخاطر أساسية:
    3. خطر الاتهام المسبق:
      إذ يستبطن دعوى تقاعس الأطر التعليميّة دون سند واقعي أو قانوني، مما يضعف ثقة الفاعلين في المؤسسة.
    4. خطر التشويش المؤسسي:
      فبدل دعم انطلاقة الموسم الدراسي، يتحول الخطاب إلى عنصر إرباك، ويغدو مصدراً للقلق بدل أن يكون دعامة للتعبئة.
    5. خطر الهيبة الرمزية:
      حيث يُختزل موقع الوزير في صورة قابلة للتجاوز، فيتآكل البعد الرمزي للمنصب العمومي، وتصبح “السلطة الرسميّة” مجرد موقع تفاوضي بين فاعلين مدنيين.
      وهنا تبرز المفارقة:
      فبينما تركت قضايا بنيوية حقيقية ـ مثل الاكتظاظ، والنقل المدرسي، والمطاعم المدرسية ـ دون معالجة، جرى استهلاك الجهد الرمزي في ممارسة سلطة لا يخولها القانون، ما يعكس حالة من إعادة هندسة غير معلنة للسلطة داخل الحقل التربوي.
      خلاصة:
      تكشف هذه الحالة عن مظهر من مظاهر التسيب المؤسساتي، حيث تتآكل الحدود بين الأدوار المدنية والأدوار الرسمية، ويتعرض البعد الرمزي للسلطة العمومية لعملية تقزيم.
  • من منظور فوكو، نحن أمام مثال على انتشار السلطة خارج مواقعها الرسمية عبر خطاب جمعوي يسعى لإنتاج شرعية بديلة.
  • ومن منظور فيبر، نحن أمام تهديد مباشر للشرعية القانونية – العقلانية التي تُعد أساس استقرار المؤسسات.
    يبقى السؤال مفتوحاً: كيف يمكن ضمان توازن دقيق بين حق المجتمع المدني في النقد والمساءلة، وبين ضرورة حماية الهيبة والشرعيّة المؤسساتيّة للدولة؟

رأي

بلاغة الزمن في الخطاب الملكي: سبعة دقائق و57 ثانية تختصر مرحلة بأكملها (رأي)

بتاريخ

الكاتب:

حتى في تفاصيل الشكل، بدت الانسجامات الرمزية واضحة بين اللون الأصفر الملكي الذي رافق الخطاب، والذي يعكس النور واليقظة والحزم، وبين الزمن المختصر الذي يجسد التركيز والدقة والانضباط.
لقد التقت الرمزية البصرية بـ البلاغة الزمنية لتجعل من الخطاب حدثًا دلاليًا متكامل الأبعاد، حيث لم يكن أي تفصيل فيه اعتباطيًا.
ففي سابقة رمزية لافتة، لم يتجاوز الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية لأكتوبر 2025 سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية، لكنه حمل من الرسائل الاجتماعية والسياسية ما يفوق ساعات من الكلام ، وهو ما يجعل من هذا الاختصار المدهش ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل اختيارًا بلاغيًا مقصودًا يترجم بوضوح مرحلة جديدة من التدبير العمومي عنوانها العمل الميداني بدلا من الكلام العابر.
لقد جسّد الملك محمد السادس في زمن خطابه القصير دعوة صريحة إلى ترشيد الزمن السياسي، تمامًا كما يُطلب من الإدارة ترشيد الزمن الإداري ، فالمعنى الأعمق لهذا الاختصار هو أن المرحلة المقبلة لا تحتاج إلى زمن طويل من التشخيص، بل إلى تسريع وتيرة التنفيذ ، بدليل أن سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية كانت كافية لتأكيد أن العبرة ليست في طول الخطاب من حيث الزمن، بل في عمق القرارات، وأن المغرب يدخل زمن الفعل المسؤول لا زمن التبرير اللفظي.
الخطاب الملكي جاء مفعمًا بحمولة اجتماعية وأخلاقية عميقة اختُزلت في ثلاث رسائل أساسية وهي ربط المسؤولية بالمحاسبة و التنمية كمسؤولية جماعية ، بالإضافة إلى المرجعية الأخلاقية للعمل البرلماني والتي تجلّت في ختام الخطاب بالآية القرآنية:
“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”
وهي توجيه أخلاقي صارم يربط العمل العمومي بالضمير قبل القانون.
أما الخلاصة المفيدة، فقد تم تسجيلها في سبعة دقائق وسبع وخمسين ثانية فقط، حين وضع الملك محمد السادس حدًّا لمرحلة الوصف، وفتح صفحة جديدة من زمن الإنجاز والمساءلة.
ولعل الرسالة الأبلغ جاءت في شكل مجازي عميق مفاده انه إذا كانت قيمة الذهب تُقاس بصفائه لا بوزنه، فإن قيمة الخطاب الملكي تُقاس بكثافته لا بطول زمن إلقائه.

الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة

اكمل القراءة

التحدي 24

“دلالات الاية القرآنية بالخطاب الملكي 10 أكتوبر 2025”

بتاريخ

الكاتب:

اختتم عاهل البلاد خطابه الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان بدورة اكتوبر بالآية القرآنية :” فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره» (سورة الزلزلة، الآيتان 7 و8).
وهو ما يمكن ان يستشف منه بأن هذا الاختتام لم يكن تفصيلاً بلاغيًا أو ختامًا تقليديًا، بل يحمل دلالات دستورية وروحية وسياسية عميقة، تربط بين الأخلاق والدستور، وبين الخطاب والقرار.

فمن خلال هذه الآية، أعاد الملك محمد السادس ، ربط العمل السياسي بمصدره الأخلاقي الأعلى، وهو ما يمكن قراءته على انه تمهيد لمرحلة محاسبة وتقييم للولاية البرلمانية والحكومية الجارية ، بدليل ان الآية القرآنية جاءت في سياق ختامي يدعو إلى النزاهة، والالتزام، ونكران الذات ، والملك بصفته أمير المؤمنين، استخدم المعنى القرآني للتذكير بالمسؤولية الفردية أمام الله، وليدكر المتلقي المباشر للخطاب وهم البرلمانيين، بأن ممارسة السلطة ليست امتيازًا بل أمانة تخضع للمحاسبة ، و بهذا التذكير، منح الخطاب الملكي بعدًا روحيا يضفي على العمل البرلماني ، طابعًا مقدسًا قوامه الضمير والمحاسبة الذاتية قبل المساءلة القانونية أو صناديق الاقتراع.

فالآية القرآنية المستدل بها وارتباطا بسياق الخطاب، لا يكفي اختزالها بالوعظ ، بل هي دعوة من الملك إلى البرلمان لترسيخ ثقافة النتائج وتسريع وتيرة الإنجاز.

وبذلك يمكن قراءة الآية كـ إطار رمزي لمجلس وزاري مرتقب، قد يتّخذ قرارات حاسمة تتعلق بمشاريع التنمية الترابية، والتعيينات العليا، وتقييم السياسات العمومية في شق كل ما مرتبط بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية المجالية والتي أشار اليها الخطاب بنسبة محددة في 30٪؜.

الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة

اكمل القراءة

التحدي 24

“الصدق والشفافية شرطين أساسيين لبناء ديمقراطية اجتماعية عادلة” (رأي)

بتاريخ

الكاتب:

تعيش الساحة المغربية في الآونة الأخيرة على إيقاع احتجاجات اجتماعية واسعة، كشفت عن أزمة ثقة حقيقية بين المواطن والمؤسسات.
فجيل الشباب، الذي كان يُعوَّل عليه في تجديد الحياة السياسية، وصل إلى قناعة مُرّة مفادها أن الخطاب السياسي في كثير من الأحيان يُخفي الحقيقة أكثر مما يُظهرها، ويُروّج لوعود انتخابية يعلم أصحابها أنها لن تتحقق.
إنها أزمة سياسية عميقة تتجاوز الأشخاص والأحزاب، تدفعنا لتطرح سؤال المصداقية في تدبير الشأن العام ؟، ومدى التزام الفاعل السياسي بقيم الصدق والشفافية التي تُعدّ من ركائز الديمقراطية الاجتماعية العادلة ؟
لقد كشفت التجربة المغربية في السنوات الأخيرة أن جزءًا كبيرًا من الأزمة السياسية مردّه إلى غياب الصدق والشفافية في الخطاب العام ، فالكثير من المسؤولين يسوّقون للداخل خطابًا عاما غير واضح ، بينما يقدّمون في المحافل الخارجية صورة وردية لا تعكس تمامًا الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
وهذا السلوك يُعدّ منافياً لجوهر الفصل الأول من دستور 2011، الذي ينص على أن:
“النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطِنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.”
كما أن حجب المعطيات الدقيقة الخاصة بمؤشرات الفقر، والبطالة، وفرص العمل الممكنة ،والفوارق المجالية، يُعدّ مساسًا بمبدأ الحق في الحصول على المعلومة المنصوص عليه بالفصل 27 من الدستور، والذي يضمن للمواطنين حقهم في معرفة ما يجري داخل المؤسسات العمومية والمنتخبة بكل مصداقية ونزاهة.
فالشفافية ركيزة اساسية للحكامة الجيدة ، و لا يمكن لأي نظام سياسي أن يحقق التنمية والاستقرار دون ترسيخ الشفافية كقيمة وممارسة.
فالدستور المغربي في فصله 154 يُلزم المرافق العمومية بتطبيق مبادئ الشفافية والمحاسبة والمساواة، وهي مبادئ لا ينبغي أن تبقى حبيسة النصوص، بل يجب أن تتحول إلى أدوات عملية لتقييم الأداء العمومي.
ومن هذا المنطلق، فإن الصدق السياسي ينبغي أن يتحول من مجرد فضيلة أخلاقية إلى التزام مؤسساتي قابل للقياس، عبر إصدار تقارير حكومية دورية بلغة بسيطة تُمكّن المواطن من متابعة الوضع الاقتصادي والاجتماعي بوضوح ، وإلزام المنتخبين والوزراء بتقديم حصيلة سنوية لأعمالهم أمام الرأي العام، تطبيقًا للفصل 12 من الدستور الذي يؤكد على مبدأ المواطنة التشاركية والمساءلة ، دون اغفال تفعيل مقتضيات القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة ، الذي يُلزم الإدارات بنشر ميزانياتها وصفقاتها العمومية بشفافية كاملة.
إن استمرار ازدواجية الخطاب، وتزييف الحقائق، وغياب التواصل الصادق مع المواطنين، لن يؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين الشعب ومؤسساته.
فالشباب المغربي اليوم أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على تحليل الواقع ومساءلة الخطاب، ولم يعد يقبل بالتبريرات الفضفاضة أو الوعود الغير قابلة للإنجاز.
من هنا، يصبح الصدق في الممارسة السياسية ليس مجرد خيار، بل ضرورة لبناء مصالحة جديدة بين المواطنين والدولة، قوامها الوضوح في المعطيات، والجرأة في الاعتراف بالأخطاء ، والالتزام بالإصلاح الفعلي لا التشكي الشبه دائم .
إن الصدق والشفافية ليسا ترفًا سياسيًا، بل هما أساس كل مشروع ديمقراطي عادل ، فبدونهما، تُفقد الثقة في المؤسسات، ويضعف الإيمان بالسياسة كأداة للتغيير، وتُترك الساحة للمشاعر السلبية والاحتجاجات غير المؤطرة.
لقد جعل دستور 2011 من ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومن الشفافية والحكامة الجيدة، أسسًا للحياة العامة.
ولذلك، فإن التحدي الحقيقي اليوم هو في ترجمة هذه المبادئ إلى ممارسات واقعية تُعيد الثقة إلى المواطن وتُكرّس العدالة الاجتماعية المنشودة.

الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة

اكمل القراءة

الأكثر قراءة

Copyright © Attahadi.ma 2024