محمد الخمسي

كثيرة هي الأقلام التي مرت وستمر  في الصحافة الوطنية، لكن حين تفتحص صلابتها وصدق كتابتها يصمد منها القليل، ومنها قلم جمال براوي رحمه الله .

 فقد كان الراحل قلما منحازا الى قضايا الناس بشكل عام، وقضايا الفقراء والمستضعفين بشكل خاص، كان بحكم تكوينه السياسي يتمتع برؤية اجتماعية يسارية ، حيث كان لليسار مضمون سياسي واضح، وبحكم تكوينه الاقتصادي الذي يعرف من خلاله ظروف وعيش المغاربة، ومصدر معاناتهم ، وتكاليف حياتهم، كما كان على اطلاع واسع بارتباط واشتباك الاحداث بين القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأهمية الإرادة السياسية في تغيير المجتمع نحو مشروع وطني أفضل، يجمع بين عمق تاريخيه ، وضرورة تحديثه،

كان جمال براوي رحمه الله يدافع عن حرية تعبيره بقدر ما كان يدافع عن حرية وحق الاخرين في التعبير، ولو كانوا من اشد معارضي ارائه ، خصلة إعلامية أصبحت نادرة في عصرنا، فقد كان رحمه الله لا يؤمن بدولة الراي الواحد، والتعبير الواحد ، والمواقف الواحدة، إلا ما كان مرتبطا بشعار المملكة، أو بالوحدة الترابية، لقد كان قلما قويا في لغتين العربية والفرنسية، سخرهما بروح وطنية وذكاء متألق للدفاع عن الوحدة الترابية، ومعالجة ذلك في الرد على أطروحة الوهم برقي قانوني، وإقناع حجاجي، ومناقشة سياسية مسؤولة، كان صحافيا وإعلاميا من الجيل الذي  يعرف مسؤولية ومهمة الصحافة، وأهمية المصادر المعتمدة، عاش في صفوف اليسار بانتماء سياسي واضح زمن الوضوح في الانتماء، يدافع عن رؤيته كمغربي حر وعن أهمية المشروع الوطني الذي تحكمه قواعد الدستور، دون شطط بين المؤسسات وهيمنة سلطة على اخرى.

لقد كان وسيبقى من جيل المدرسة إلاعلامية التي لا يعميها انتماءها السياسي في إلغاء حق تعبير الآخرين، وفي حق أن الديمقراطية الحقيقة ليست افتراس الأغلبية للمعارضة، بقدر ما هي صناعة قرار تشاركي، يحترم تعدد الاراء والمصالح والتوازنات، ولدى كان يفرض على معارضيه احترام وجهة نظره لانه كان يحترم حق التعبير عن وجهة نظرهم،

لم يمنع شدة تتعدد الأمراض ولزمن طويل أن يصمد جمال براوي رحمه الله ويستمر في مهمته الإعلامية، سواء بالكتابة في مواقع ومجالات ومنابر إعلامية متعددة، او عبر المدياع من خلال MFM ، فقد كان رحمه صوت ملايين من المغاربة، الذين دافع عن حقوقهم الاجتماعية، وحمل رسائلهم السياسية بكل شجاعة ومسؤولية، و مارس جميع انواع واجناس الحقل الاعلامي بتألق وامتياز، وسيبقى نموذجا في الصبر على الابتلاء، فقد كان رحمه كلما سألته عن حاله قبل الدخول الى المباشر في برنامج “ديكريبتاج” يجيبني رحمه الله “الحمد لله” صبر وثبات أمام الام تنهد لها الجبال.

 تغمد الله جمال براوي بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته وخالص العزاء والمواساة لأسرته وأصدقائه، ولكل المغاربة الذين كانوا يشعرون بأنه صوت إعلامي حر من أعماق هذا الوطن