Connect with us

رأي

هل أصبح حزب الله الخاسر الأكبر في المنطقة؟

بتاريخ

الدكتور محمد الخمسي

إن الراصد لحركة الأحداث؛ سيكتشف حقد إيران على محيطها الإقليمي والسعي للانتقام منه منذ نهاية حرب الخليج الأولى، (الحرب العراقية الإيرانية)، التي عرفت عند النظام العراقي ب: “قادسية صدام”، بينما عُرفت في إيران باسم: “الدفاع المقدس”. حرب نشبت بين العراق وإيران من سبتمبر سنة 1980 حتى أغسطس من سنة 1988؛ حيث أكلت إمكانات البلدين، ولعب الغرب دور المدد بالسلاح سرّاً وجهرًا، بشكل يطيل الحرب ولا يسمح بالحسم.
منذ نهاية هذه الحرب، وضعت

إيران خطة اختراق الدول المجاورة ببرنامج “التخريب من الداخل”!،
فساعدت أمريكا على اجتياح العراق، ثم تسلمته منها، فقتلت علماءه، بل المتفوقين من طلبته، ونهبت آثاره ومتاحفه وبنوكه. ومن إنجازاتها؛ إنشاء “داعش” وتدريبها داخل سورية وتخريب مناطق السنة بالعراق، خاصةً في منطقة الفلوجة التي بقيت عصيّةً على أمريكا نفسها.

ادوات التخريب وجغرافيته:
لقد اعتمد النظام الإيراني أدوات دنيئة؛ منها القتل للعقول والأطر العسكريّة العراقيّة، ونشر الفساد في المؤسسات، وتخريب البنية التحتيّة، وتهجير السنّة وتعميم إرهاب أعمى!! ومحاصرة التيار الصدري، لا لشيء؛ فقط لأنه أراد أن يتحرر من عباءة “قم”، وأن يكون شيعة العراق أولى بقضايا الشيعة في العالم.
أما لبنان؛ فقد صنعت فيه حزبًا عسكريًا، أصبح يهدد الجميع. ودخلت به لبنان، فحجمت سيادة هذا البلد الغني ثقافياً وحضارياً، وخربته سياسياً واقتصادياً تخريباً كاملاً، فحولته إلى دولة فقيرة وعاجزة وفاسدة، وعمقت فيه الطائفيّة بشكل رهيب، ونحرت فيه التعدديّة والعيش المشترك، مما يحتاج إلى ترميم عبر عشرات السنين!!
ثم جاء الدور على اليمن، ووجدت عبد الله صالح قد مهد لها بغباء الدكتاتورية، ودون أن يدري؛ يسر لها الطريق، وساعدها في ذلك البحر، أي إيران، بسبب الموقع الجغرافي، فقامت بتسليح الحوثيين، وهدمت دولة، بل حضارة اليمن، واشتغل معول التقسيم، لتتحول أرض “الحكمة يمانية” وأرض الماء والزراعة، إلى بلد الفقر والقات. دولة مكتملة الفشل في كل شيء!
أمّا سورية، فهي العدو التاريخي، لأنها دولة الأمويين، فبدأت بتدمير النسيج الاجتماعي، والتحريض الطائفي، ووجدت أغبى ديكتاتور على الأرض، لتنفيذ مخطط رهيب ضد شعبه ووطنه، ومما زاد من تعقيد الأمر تقاطع المصالح، مما صنع تواطئاً روسياً معها.
هكذا أصبحت سورية بين قتيل وطريد ومهجر وصامت صمت القبور من شدة الخوف. لقد تعرض الشعب السوري إلى تهجير الملايين نحو تركيا، بل إلى مختلف دول العالم الذي كان شاهد على ذلك، وما صورة الطفل السوري الذي لفظه البحر ميتاً على شواطئ اليونان ببعيدة منّا.
ألسنا في أقصى الجغرافيّة من المنطقة ووصلنا السوريون في أسوأ الظرف والحال، واستقبلهم المغاربة بما يليق بتاريخهم من حسن الكرم والضيافة…!؟
لقد تاجرت إيران، وصدقها الكثير من السذج الذين لا يعرفون عقل (ابن العلقمي)؛ بوهم تحرير القدس وفلسطين، حيث استغلوا عاطفة عمياء، ووظفوا قضية حق وعدل، من أجل الاستقطاب، حيث ركزوا على الشباب الذين كانوا وقوداً لمشارعهم الدموية بالمنطقة.

تحرير القدس تلك الخاتم المغناطيس:
عملت إيران باستغلال فكرة عظيمة، اسمها: “تحرير القدس” من خلال دعم “حزب الله”، هذا الحزب الذي كان سلاحه أقوى من سلاح جيش الدولة اللبنانية، ووظفته إيران لأغراضها السياسية تحت عنوان: “المقاومة” التي لم يبق له منها شيء. وكان أهم شرط تحتاجه أي مقاومة في العالم؛ هو استقلال قرارها السياسي. هذا الزر كان ممنوعاً من طرف إيران، إذ جعلت حزب الله جماعة وظيفيّة تنفد الأجندة المكتوبة في طهران.
لقد حرم مبكراً حزب الله، ومنذ النشأة، من استقلال بندقيته. فقد أحكمت إيران القبضة على كل الأدوات التي صنعتها للدعم؛ سواء المالية أو السلاح أو اللوجستيك أو الإعلام والدعاية. وهكذا زاد الانقسام في لبنان، وغدت مشاعر الملايين من العرب والمسلمين في العالم بالوهم، حتى أصبح سلوك طهران مقدساً، لا يجوز انتقاده أو الشك فيه أو حتى مجرد طرح سؤال حوله!

وجاء 7 اكتوبر لينكشف الغطاء:
اتضحت خسائر حزب الله بعد عام من صمود المقاومة الفلسطينية، ليكتشف العالم أن هذه المقاومة التي تدعمها إيران؛ مخترقة إلى النخاع، وقابلة للبيع في كل لحظة، بحيث لم تصمد إلاّ أشهراً معدودات.
جاءت الحرب في غزة والحملة الإسرائيلية الأخيرة، لتضع هذا الحزب على سكة اختبار ميداني. فتحت عنوان جبهة إسناد بقي الأمر ملتبساً إلى أن جاءت “معركة مباشرة” على أراضيها في جنوب لبنان، ودفعت إثر ذلك خلال الشهرين الماضيين الكثير من الفواتير على صعيد قادة الصف الأول، وتصدرها حادثة اغتيال أمينها العام حسن نصر الله. ولم تقتصر الخسائر على ما سبق، إذ بعدما طرأت سلسلة تحولات على شكل استهدافات إسرائيل واستراتيجيتها العسكرية في لبنان، وصلت الحالة المرتبطة بـ «دفع الفواتير” لدى حزب الله إلى مخازن الأسلحة الخاصة به، والتي تضم خليطاً واسعاً من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن أشكال متنوعة من القذائف والطائرات المسيّرة. وهناك من يعتبر أن ما تبقى من قدرته أقل من 20 في المئة.
لقد اتضح للعالم أن عدد المقاتلين الذين كان يتحدث عنهم حزب الله بأنه يتجاوز حاجز ال 100 ألف مقاتل، مجرد أسطورة لا واقع لها، واكتشف من أول خطاب للأمين العام الجديد، انخفاض سقف التهديد وواقعية ومحدودية القدرات، كما اكتشف انه ضمن صفقة كبيرة لبقاء نظام إيران قبل بداية الحفر الكبير له.
لقد تم استنزاف مخزون حزب الله من الصواريخ، ودمرت البنية المؤطرة له، والآن بعد سقوط نظام بشار؛ فإن إمكانية إعادة التزويد من إيران لحزب الله، لم تعد متاحة، بل ينتظر وضوح الساحة في سورية، فقد بدأ يتحسس رقبته.
لقد اكتشف العالم أن إيران حقيقة هي أوهن من بيت العنكبوت، حيث يتم اغتيال ضيوفها، وقصة الصواريخ وصلت سقفها، حسب تحليلات بعض “الخبراء” المؤدى لهم مسبقاً على قنوات المنار والميادين…. وغيرها؛ حول قوة إيران وتضخيم قدراتها، أمر لا تصدقه الدول، خاصة وإن حرب أوكرانيا كشفت الكثير.
تبقى ورقة وحيدة ستكتشف مع مجيء (دونالد ترامب)؛ هو ما مستوى تقدم إيران على مستوى السلاح النووي؟ وهل وصلت مرحلة تستطيع بها التهديد، أم أن الأمر لازال في طور البدايات؟
إن سياسة التهويل والتضخيم، سياسة أتقنتها الولايات المتحدة مراراً قبل ضرب العدو.
قراءة سريعة في آخر ظهور للأمين العام لحزب الله:
قال نعيم قاسم: “إن الحزب كان يتوقع حصول العدوان الإسرائيلي على لبنان في أي لحظة، لكن لم يكن يعلم بالتوقيت. وهذا كان قبل طوفان الأقصى وبعده.” وهنا لابد من التوضيح: هل كان الحزب ينتظر من إسرائيل، وهو أمر ليس من أخلاقها؛ أن تعلن عن تاريخ بداية العدوان!؟ بل تاريخياً كانت دائمًا تعتمد استباق العدوان متى توفرت لها الظروف والمعطيات الاستخباراتية، وبالتالي قول الأمين العام هذا؛ لا جديد فيه.
أما قوله إن العدو الصهيوني لم يحقق أهدافه في عدوانه على لبنان؛ فهو يناقض الواقع والحقائق. طبعاً حقق الكثير من الأهداف وسنقدمها في الخلاصة.
هناك حقيقة ومسلمة يريد نعيم قاسم أن يذكرنا بها وكأنها اكتشاف خاص بحزب الله حيث قال: “العدو يريد إلغاء أي مقاومة تقف بوجه مشروعه التوسعي على مستوى كل المنطقة، ونسي أن إسرائيل لا تخفي هذا وتسعى إليه ليل نهار، وبالتالي كل دول المنطقة عبرت أو لم تعبر عن إدراكها لهذه الحقيقة، فهي تعلمها. والسؤال ماذا أعد أو يمكن إعداده لذلك؟
تبقى فكرة أن الجرائم الإسرائيلية ليست إنجازاً، وهذه حقيقية لا تختلف عليها العقول السوية…! فالإبادة أكبر جرائم الأرض، ولا تعتبر نصرًا أو إنجازاً في التاريخ، بل جرائم ضد الإنسانية.
أمّا قول إن العدو الإسرائيلي أدرك أن الأفق أمام مقاومة حزب الله مسدود، فذهب إلى وقف إطلاق النار، فالمسرب من المعلومات أن حزب الله قبل بالشروط الإسرائيلية عبر الوسيط الأمريكي مع (نبيل بري)، وأن التعديلات لم تؤثر عن البعد الاستراتيجي للاتفاق الذي هو لصالح إسرائيل، وما تم تعديله هو من باب الاستهلاك السياسي، وخاصة أمام أنصار حزب الله وأعضائه واتباعه.
لا شك أن نعيم قاسم يريد أن يقول إننا لا زلنا في المعادلة وننتظر بعد سقوط النظام السوري، ومن المؤسف إنه لم يشر إلى كلفة ما دفعه هذا الحزب لإطالة عمر هذا النظام المجرم من سنة 2011 إلى سنة 2024، وسنقدمها في الخلاصة، حيث قال: “سقط النظام السوري على يد قوى جديدة، ولا يمكننا الحكم عليها إلا بعد استقرارها وانتظام الوضع في سورية، هنا قد أكد على حقيقة واحدة ان حزب الله خسر في المرحلة الحالية طريق الإمداد القادم من سورية، قائلا: “لكن هذا تفصيل صغيرة وقد يتبدل مع الزمن” و في الحقيقة والموضوعية العسكرية هذه ليست صغيرة ومن الصعب تغييرها مع الزمن، بل شرايين الامداد اذا قطعت ستشل اليد العسكرية لهذا الحزب.

الخلاصة
الذين يحملون فكرة حزب الله كنموذج مقاومة ضد إرادة الدولة الوطنية، لهم هذه الحصيلة المؤقتة خلال شهرين:
خسروا الصف الاول والثاني من القيادات السياسية،
خسروا الصف الاول من القيادات العسكرية،
قدموا أكثر من 5000 قتيل في سوريا بدون فائدة وظلما للشعب السوري وتعميقا للجرح الطائفي،
صنعوا عداء مطلقا ضدهم في سورية ولبنان وتركيا اضافة إلى الأردن ومن زمان،
استقر بهم الحال خلف الليطاني، مع مراقبة جنيرال امريكي لأي حركة عسكرية منهم داخل لبنان،
حظر تجول والمنع التام للإشهار السلاح، وبالتالي نزع التغول على اللبنانيين،
افتقدوا اعينهم على مطار لبنان، الذي كان شبه تابع لهم امنيا،
خلقوا حذرا شديدا منهم في جميع الدول العربية، لأنهم بدأوا في تنزيل فكرة التدريب على حرب العصابات، آخرها تدريب الجناح العسكري لمليشيات (البوليزاريو) التي تعيش ايامها الاخيرة، وهي واحدة من عدوانهم على الاستقرار في شمال افريقيا،
تخلت عنهم إيران بعدما انتهت مهمتهم الإقليمية وتجفيف منابعهم المالية،
والأشد والأسوأ أطلقوا كل رصاصهم لدعم بشار، الذي لم يطلق رصاصة واحدة ساعة الجد لدعم نظامه، بل سلم كل المعلومات المتعلقة بهم معناه ايام تصفيات ومطاردة أسوا من التي عاشوا من قبل.

رأي

بلاغة الزمن في الخطاب الملكي: سبعة دقائق و57 ثانية تختصر مرحلة بأكملها (رأي)

بتاريخ

الكاتب:

حتى في تفاصيل الشكل، بدت الانسجامات الرمزية واضحة بين اللون الأصفر الملكي الذي رافق الخطاب، والذي يعكس النور واليقظة والحزم، وبين الزمن المختصر الذي يجسد التركيز والدقة والانضباط.
لقد التقت الرمزية البصرية بـ البلاغة الزمنية لتجعل من الخطاب حدثًا دلاليًا متكامل الأبعاد، حيث لم يكن أي تفصيل فيه اعتباطيًا.
ففي سابقة رمزية لافتة، لم يتجاوز الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية لأكتوبر 2025 سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية، لكنه حمل من الرسائل الاجتماعية والسياسية ما يفوق ساعات من الكلام ، وهو ما يجعل من هذا الاختصار المدهش ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل اختيارًا بلاغيًا مقصودًا يترجم بوضوح مرحلة جديدة من التدبير العمومي عنوانها العمل الميداني بدلا من الكلام العابر.
لقد جسّد الملك محمد السادس في زمن خطابه القصير دعوة صريحة إلى ترشيد الزمن السياسي، تمامًا كما يُطلب من الإدارة ترشيد الزمن الإداري ، فالمعنى الأعمق لهذا الاختصار هو أن المرحلة المقبلة لا تحتاج إلى زمن طويل من التشخيص، بل إلى تسريع وتيرة التنفيذ ، بدليل أن سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية كانت كافية لتأكيد أن العبرة ليست في طول الخطاب من حيث الزمن، بل في عمق القرارات، وأن المغرب يدخل زمن الفعل المسؤول لا زمن التبرير اللفظي.
الخطاب الملكي جاء مفعمًا بحمولة اجتماعية وأخلاقية عميقة اختُزلت في ثلاث رسائل أساسية وهي ربط المسؤولية بالمحاسبة و التنمية كمسؤولية جماعية ، بالإضافة إلى المرجعية الأخلاقية للعمل البرلماني والتي تجلّت في ختام الخطاب بالآية القرآنية:
“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”
وهي توجيه أخلاقي صارم يربط العمل العمومي بالضمير قبل القانون.
أما الخلاصة المفيدة، فقد تم تسجيلها في سبعة دقائق وسبع وخمسين ثانية فقط، حين وضع الملك محمد السادس حدًّا لمرحلة الوصف، وفتح صفحة جديدة من زمن الإنجاز والمساءلة.
ولعل الرسالة الأبلغ جاءت في شكل مجازي عميق مفاده انه إذا كانت قيمة الذهب تُقاس بصفائه لا بوزنه، فإن قيمة الخطاب الملكي تُقاس بكثافته لا بطول زمن إلقائه.

الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة

اكمل القراءة

التحدي 24

“دلالات الاية القرآنية بالخطاب الملكي 10 أكتوبر 2025”

بتاريخ

الكاتب:

اختتم عاهل البلاد خطابه الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان بدورة اكتوبر بالآية القرآنية :” فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره» (سورة الزلزلة، الآيتان 7 و8).
وهو ما يمكن ان يستشف منه بأن هذا الاختتام لم يكن تفصيلاً بلاغيًا أو ختامًا تقليديًا، بل يحمل دلالات دستورية وروحية وسياسية عميقة، تربط بين الأخلاق والدستور، وبين الخطاب والقرار.

فمن خلال هذه الآية، أعاد الملك محمد السادس ، ربط العمل السياسي بمصدره الأخلاقي الأعلى، وهو ما يمكن قراءته على انه تمهيد لمرحلة محاسبة وتقييم للولاية البرلمانية والحكومية الجارية ، بدليل ان الآية القرآنية جاءت في سياق ختامي يدعو إلى النزاهة، والالتزام، ونكران الذات ، والملك بصفته أمير المؤمنين، استخدم المعنى القرآني للتذكير بالمسؤولية الفردية أمام الله، وليدكر المتلقي المباشر للخطاب وهم البرلمانيين، بأن ممارسة السلطة ليست امتيازًا بل أمانة تخضع للمحاسبة ، و بهذا التذكير، منح الخطاب الملكي بعدًا روحيا يضفي على العمل البرلماني ، طابعًا مقدسًا قوامه الضمير والمحاسبة الذاتية قبل المساءلة القانونية أو صناديق الاقتراع.

فالآية القرآنية المستدل بها وارتباطا بسياق الخطاب، لا يكفي اختزالها بالوعظ ، بل هي دعوة من الملك إلى البرلمان لترسيخ ثقافة النتائج وتسريع وتيرة الإنجاز.

وبذلك يمكن قراءة الآية كـ إطار رمزي لمجلس وزاري مرتقب، قد يتّخذ قرارات حاسمة تتعلق بمشاريع التنمية الترابية، والتعيينات العليا، وتقييم السياسات العمومية في شق كل ما مرتبط بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية المجالية والتي أشار اليها الخطاب بنسبة محددة في 30٪؜.

الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة

اكمل القراءة

التحدي 24

“الصدق والشفافية شرطين أساسيين لبناء ديمقراطية اجتماعية عادلة” (رأي)

بتاريخ

الكاتب:

تعيش الساحة المغربية في الآونة الأخيرة على إيقاع احتجاجات اجتماعية واسعة، كشفت عن أزمة ثقة حقيقية بين المواطن والمؤسسات.
فجيل الشباب، الذي كان يُعوَّل عليه في تجديد الحياة السياسية، وصل إلى قناعة مُرّة مفادها أن الخطاب السياسي في كثير من الأحيان يُخفي الحقيقة أكثر مما يُظهرها، ويُروّج لوعود انتخابية يعلم أصحابها أنها لن تتحقق.
إنها أزمة سياسية عميقة تتجاوز الأشخاص والأحزاب، تدفعنا لتطرح سؤال المصداقية في تدبير الشأن العام ؟، ومدى التزام الفاعل السياسي بقيم الصدق والشفافية التي تُعدّ من ركائز الديمقراطية الاجتماعية العادلة ؟
لقد كشفت التجربة المغربية في السنوات الأخيرة أن جزءًا كبيرًا من الأزمة السياسية مردّه إلى غياب الصدق والشفافية في الخطاب العام ، فالكثير من المسؤولين يسوّقون للداخل خطابًا عاما غير واضح ، بينما يقدّمون في المحافل الخارجية صورة وردية لا تعكس تمامًا الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
وهذا السلوك يُعدّ منافياً لجوهر الفصل الأول من دستور 2011، الذي ينص على أن:
“النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطِنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.”
كما أن حجب المعطيات الدقيقة الخاصة بمؤشرات الفقر، والبطالة، وفرص العمل الممكنة ،والفوارق المجالية، يُعدّ مساسًا بمبدأ الحق في الحصول على المعلومة المنصوص عليه بالفصل 27 من الدستور، والذي يضمن للمواطنين حقهم في معرفة ما يجري داخل المؤسسات العمومية والمنتخبة بكل مصداقية ونزاهة.
فالشفافية ركيزة اساسية للحكامة الجيدة ، و لا يمكن لأي نظام سياسي أن يحقق التنمية والاستقرار دون ترسيخ الشفافية كقيمة وممارسة.
فالدستور المغربي في فصله 154 يُلزم المرافق العمومية بتطبيق مبادئ الشفافية والمحاسبة والمساواة، وهي مبادئ لا ينبغي أن تبقى حبيسة النصوص، بل يجب أن تتحول إلى أدوات عملية لتقييم الأداء العمومي.
ومن هذا المنطلق، فإن الصدق السياسي ينبغي أن يتحول من مجرد فضيلة أخلاقية إلى التزام مؤسساتي قابل للقياس، عبر إصدار تقارير حكومية دورية بلغة بسيطة تُمكّن المواطن من متابعة الوضع الاقتصادي والاجتماعي بوضوح ، وإلزام المنتخبين والوزراء بتقديم حصيلة سنوية لأعمالهم أمام الرأي العام، تطبيقًا للفصل 12 من الدستور الذي يؤكد على مبدأ المواطنة التشاركية والمساءلة ، دون اغفال تفعيل مقتضيات القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة ، الذي يُلزم الإدارات بنشر ميزانياتها وصفقاتها العمومية بشفافية كاملة.
إن استمرار ازدواجية الخطاب، وتزييف الحقائق، وغياب التواصل الصادق مع المواطنين، لن يؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين الشعب ومؤسساته.
فالشباب المغربي اليوم أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على تحليل الواقع ومساءلة الخطاب، ولم يعد يقبل بالتبريرات الفضفاضة أو الوعود الغير قابلة للإنجاز.
من هنا، يصبح الصدق في الممارسة السياسية ليس مجرد خيار، بل ضرورة لبناء مصالحة جديدة بين المواطنين والدولة، قوامها الوضوح في المعطيات، والجرأة في الاعتراف بالأخطاء ، والالتزام بالإصلاح الفعلي لا التشكي الشبه دائم .
إن الصدق والشفافية ليسا ترفًا سياسيًا، بل هما أساس كل مشروع ديمقراطي عادل ، فبدونهما، تُفقد الثقة في المؤسسات، ويضعف الإيمان بالسياسة كأداة للتغيير، وتُترك الساحة للمشاعر السلبية والاحتجاجات غير المؤطرة.
لقد جعل دستور 2011 من ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومن الشفافية والحكامة الجيدة، أسسًا للحياة العامة.
ولذلك، فإن التحدي الحقيقي اليوم هو في ترجمة هذه المبادئ إلى ممارسات واقعية تُعيد الثقة إلى المواطن وتُكرّس العدالة الاجتماعية المنشودة.

الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة

اكمل القراءة

الأكثر قراءة

Copyright © Attahadi.ma 2024